لم تكن سلوى .. الجميلة ذات الأربعة وعشرين ربيعاً المعينة حديثاً في الشركة
تجد ما تعمله في معظم أوقات الدوام .. فلقد كان كل من شريف وماهر .. زميلاها في المكتب .. على جانب كبير من الخبرة والكفاءة في العمل فكانا يقومان بتسعين بالمائة من الواجبات التي يكلف المكتب بها تاركين لها فقط بعض الواجبات البسيطة ..كان ذلك يتيح لها وقتاً لا بأس به للتأمل والغوص في عالم الأحلام أو زيارة صديقتها سكرتيرة المدير .. أو اجراء المقارنة بين كل من شريف و ماهر وكأنهما رسمان كاريكاتيريان في مجلة تحاول أن تجد الفروق السبعة بينهما !. لقد كان ماهر ذا اسم على مسمى فكان ماهراً جداً في عمله ..وكان قليل الكلام كثير العمل.. كان يقضي أوقات فراغه القليلة في المكتب اما في التفكير أو في مداعبة زميليه ببعض الطرف..كان وسيماً وأنيقاً .. ينتقي ملابسه الأنيقة بعناية لتنم عن ذوقه الرفيع .. وكان يبدو لسلوى شخصاً مهماً جداً في الشركة وفي خارجها أيضاً .. فكثيراً ما كان يستدعيه المدير وكثيراً ما كان يتلقى مكالمات هاتفية قصيرة من مصادر تجهلها يتكلم فيها عن أعمال لا تعرف عنها شيئاً ويحدد المواعيد التي تدل على أنه كثير الانشغال ولمدة اسبوع مقبل على الأقل في كل وقت .. وكان يستقبل أحياناً في المكتب زواراً لا يعرفهم أحد في الشركة الا المدير ..وكان هؤلاء الزوار اما رجالاً أنيقين أو نساء جميلات يشبهن نجمات هوليود الحسناوات .. كل هذا كان يدل على أنه شخص مهم ومحبوب. أما شريف .. فلقد كان يختلف عن ماهر .. كان قليل الاهتمام بمظهره ..وكان يتكلم كثيراً مع سلوى أثناء العمل ..كان يحب أن يتحدث معها عن أي شيء..عن العمل..الأدب..الفنون..التاريخ..الرياضة.. ذكرياته القديمة..أصدقائه المخلصين..الفواكه والخضروات ..أي شيء.. وكان يصغي اليها باهتمام حين تتحدث هي..لقد لاحظت من اليوم الأول لها في الشركة بأنه قد أعجب بها .. وهذا صحيح .. لقد كان يعتبر سلوى الهدية الالهية التي أرسلت اليه ببريد القدر .. البريد الذي يكون بطيئاً في بعض الأحيان الا أن الطرود عن طريقه تكون مضمونة الوصول. (( هكذا حال الدنيا )) .. قالت سلوى محدثةً نفسها .. (( لابد من وجود شخص سطحي مثل شريف كي يبرز الرجل الحقيقي مثل ماهر .. لابد من وجود الطرازين كي تتم المقارنة .. ماهر هذا هو فارس أحلامي .. لابد أن يكون لي)) . أما شريف فلقد كان يقول لنفسه :(( سلوى .. أفضل امرأة في العالم .. انها جميلة وذكية ومثقفة .. سأكون أسعد رجل في العالم لو تزوجتها .. ولكن لابد قبل أن أفاتحها في موضوع لزواج أن أتأكد من رأيها بي .. أنا أحبها بشدة ولكنني لا أعرف ماذا أكون بالنسبة لها .. انها تعاملني بلطف ولكن أحياناً أجدها لا تشعر بوجودي أصلاً )). بعد نحو عشر دقائق من الصمت .. كحت سلوى .. ثم تبعت كحتها بكحة أخرى .. أهتز شريف من أعماقه .. فحبيبته.. أفضل امرأة في العالم .. تكح.. لابد وأن هنالك خطب ما يزعج حنجرتها .. ذلك الناي الرباني .. خطرت بباله فكرة فشرع بتنفيذها على الفور ..استأذن من زميليه وخرج من المكتب باحثاً عن الساعي .. الا أن الساعي لم يكن موجوداً فأتجه شريف الى الكافتيريا ليجلب بنفسه ثلاثة أكواب من الشاي له ولزميليه عسى أن يريح الشاي الساخن حنجرة حبيبته .. في هذه الأثناء كان ماهر قابعاً في مكانه .. ألتقت عيناه بعيني سلوى عرضاً .. ابتسمت هي أما هو فلقد كان متجهماً بعض الشيء .. كان منشغل البال لدرجة أنه لم يلحظ ابتسامتها .. أرادت أن تسأله عن ما يشغل باله الا أنه وقبل أن تحرك شفتيها نهض هو الاخر قائلاً لها :(( أنا ذاهب لمقابلة المدير .. لن أتأخر كثيراً )) .. وخرج من المكتب. شعرت سلوى بشيء من خيبة الأمل .. لقد كانت فرصةً جيدةً لها كي تنفرد بماهرٍ لبضع دقائق .. كانت تريد أن تسأله عن الهم الكامن داخله .. عن الحزن الخفي القابع بقلبه.. لقد كانت نظرات عينيه الغامضتين توحي بذلك .. فهو رجل غامض والغموض هو سر من أسرار الرجولة وقوة الشخصية! .. هكذا تعلمت من الروايات والأفلام العاطفية منذ أن كانت في سن المراهقة .. زاد اصرارها على أن تكلمه اليوم مهما يكلفها الأمر فهي لن تحتمل مرور ليلة أخرى تتقلب فيها على الفراش ساهدةً تفكر بحل للغز فارسها المحير. أخذت سلوى تفكر في وسيلة تلتقي بها ماهر بعد خروجه من مكتب المدير وقبل أن يصل الى مكتبهم كي تبدأ بكشف سر غموضه ومن ثم الايقاع به في حبائلها بعيداً عن شريف المزعج .. فتوصلت لفكرة الجلوس عند صديقتها سكرتيرة المدير للسؤال عنها وهناك ستلتقي ماهراً وهو خارج من من غرفة المدير .. وبالطبع فسيعودان معاً الى المكتب فتستطيع أن تكلمه في الطريق وتسحبه الى الكافتيريا .. ولكن المشكلة تكمن في أنها لن تتمكن من مغادرة المكتب الآن قبل عودة شريف الذي لا تعرف الى أين قد ذهب .. فلا يجوز أن يخلو المكتب من الجميع ..ولابد لها من انتظار عودته.. كادت تستشيط غضباً وظلت تدعو الله في سرها كي يعود شريف المزعج قبل ماهر لتتمكن من تنفيذ خطتها .. والحقيقة أن شريف قد تأخر قليلاً لأن ذبابة قد سقطت غارقةً في أحد أكواب الشاي فأضطر الى العودة ثانيةً لاستبداله. بعد دقائق قليلة مرت على سلوى وكأنها ساعات طويلة جاء شريف حاملاً أكواب الشاي الثلاثة وهو سعيد بأنه سيفاجيء حبيبته بهذه المبادرة اللطيفة .. ولكنه فوجيء بها تصرخ بوجهه : (( ما هذا ؟ .. انك لا تشعر بالمسؤولية أبداً يا أيها الأناني .. أكواب الشاي والأحاديث التافهة هي كل ما يشغل اهتمامك .. ها أنا ذا أريد أن أخرج من المكتب لأمر ضروري ولا أستطيع لأن حضرتك تركت المكتب .. يا مدمن الشاي و التفاهات! )). قالت هذا الكلام بعصبيةٍ وخرجت من المكتب على الفور تاركةً شريفاً مندهشاً من أسلوبها الجارح هذا .. أيعقل أن سلوى؟ .. أفضل امرأة في العالم كما يعتبرها .. تلك النسمة الهادئة تصرخ بوجهه وتهينه هكذا؟ .. هو ..أكثر الناس حباً لها؟!..شعر بالحزن والغضب الا ان فكرةً قد قفزت الى دماغه فألتمس لها العذر قائلاً في نفسه: (( مسكينة هي .. لقد تركتها وحيدةً في المكتب وهي تتألم ..تصرفها معي كان طبيعياً فهذا هو من تأثيرات الدورة الشهرية على النساء!.. مزاجهن يتعكر لأبسط الأمور )) . وصلت سلوى لمكتب المدير .. لم تكن السكرتيرة موجودةً هناك .. لم يكن باب غرفة المدير موصداً فدفعها الفضول لأن تسترق السمع .. لابد وأن ماهر بالداخل يسدي النصائح والمشورات الفذة للمدير الذي لا يستطيع أن يستغني عنه .. وبالفعل سمعت جملتان كان يقولهما المدير لماهر .. جملتان جعلتاها تفسر الكثير من تصرفات ماهر وسر غموضه الكريه .. لقد كان المدير يقول له: (( انهما ضيفان مهمان جداً .. أريد منك أن تجلب لنا ثلاثةً من أجمل النساء الى مزرعتي هذه الليلة ! )).