الفَرق بَيِّنَ التَوُكلِ وَالتَوُاكلِ ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
.*
إن الحمد لله، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا
من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، من توكل عليه كفاه، ومن إستعان به أرشده وأغناه
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله
أمره ربه بالتوكل عليه فقال عز وجل {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }[آل عمران: 159]
أما بعد:
إن من كمال الإيمان بالله أن يسلم المؤمن أمره لله سبحانه، ويتوكل عليه في كل شأن من شؤونه.
ولقد أثنى الله سبحانه على المتوكلين فقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2]
وجعل الله سبحانه التوكل عليه دليلاً على الإيمان به فقال سبحانه: {وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [المائدة: 23] وقال سبحانه: {وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 51]
والتوكل هو قطع علائق القلب بغير الله سبحانه.
قال الإمام أحمد رحمه الله: التوكل: هو تفويض الأمر إلى الله جل ثناؤه، والثقة به وحده.
وقال سعيد بن جبير: "التوكل على الله عز وجل جماع الإيمان".
و التوكل معناه: صدق إعتماد القلب على الله عز و جل في إستجلاب المصالح و دفع المضار
من أمور الدنيا و الآخرة كلها, و أن يكل العبد أموره كلها إلى الله جل و علا
و أن يحقق إيمانه بأنه لا يعطي و لا يمنع و لا يضر و لا ينفع سواه عز و جل.
والتواكل:
هو عدم الأخذ بالأسباب كالقعود عن طلب الرزق مع إدعاء التّوكّل على اللّه
فهذا يتنافى مع مقاصد الشّريعة ومع السُّننِ التي جعلها اللّه تعالى وسيّرها عليه.
ولذا قال سيّدنا عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه:" يَرفَعُ أحدكُمْ يديْهِ إلى السّماء يقول: ياربّ ... ياربّ ... وهو يعلم أنّ السّماء لاتمطر ذهبا ولا فضّة".
فَتَرْكُ الأسباب وعدم الأخذ بها مخالف للتّوكّل على اللّه.
ومما يدل على أن التوكل فيه أخذ بالأسباب : ما جاء عَنْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا ) .
فأوضح بأنها تغدو وتروح في طلب الرزق، أي تجد وتجتهد في طلبه.
ولا شك أن المؤمن حينما يتوكل على ربه ويفوض الأمر إليه يشعر بأنه
يأوي إلى ركن شديد فلا يخشى أحداً، ولا يخاف أحداً من خلق الله
قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ
حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: 173، 174]
وكان من هدى النبي (صلي الله عليه وسلم) قوله: إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم
أضطجع على شقك الأيمن ثم قل: "اللهم أســـلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، ووجهت وجهي إليك، وألجأت ظهري إليك لا ملجأ، ولا منجي منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت،
وبنبيك الذي أرسلت، فإن مت مت على الفطرة. (رواه البخاري ومسلم)
وها هو مؤمن آل فرعون حينما قال: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} فكان الجزاء
{فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} [غافر: 44، 45]
توكلْ على الرحمن في كلِّ حاجةٍ ... أردتَّ فإن الله يقضي ويَقْدُرُ
متى ما يُرِدْ ذو العرش أمراً بعبده ... يُصِبْه ، وما للعبد ما يتخَيَّر
وقد يَهلك الإنسانُ من وجه أَمْنِه ... وينجو بإذن الله من حيث يَحْذَر